أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}- سورة الرعد، الآية 17

الأحد، أبريل 30، 2017

تســـاؤلات علي قانة



ماذا تحكي لنا المباني الفاشية بمدينة طرابلس




إن محاولة استظهار وقراءة ما يمكن أن تفصح عنه مباني الفترة الاستعمارية يجب أن تعاد انطلاقاً من رؤية ترفض ما استقر عليه من مسلمات، انطلاقة يكون هدفها كشف واستنطاق الحقائق المرئية، بتتبعها وتفسير للعلاقات والتأثيرات وما يحمل المبنى من إشارات، عندئذ سنكتشف حقيقة مذهلة حملها إلينا المبنى بكل أمانة، يجب ألا نستسلم لمظهره الأسطوري ولا للأساليب الأدبية المنمقة والاطروحات الفكرية التي قدم بها والتي أصبحت إطاراً عاماً وحقيقة راسخة تقبلتها أسفار تاريخ العمارة والفنون.

بل يجب فض الحجاب لكشف حقيقة هذه المباني وما تخفيه خلف واجهاتها المتعالية والواهية، عندئذ سنراها على حقيقتها إنها واجهات جمعت مفرداتها وعناصرها من شتات التاريخ وأصقاع الأرض  أفرزتها وطرحتها إرادة لم تقو على صهرها وصقلها لتصبح وحدة متآلفة ومستحدثه" “Eclectisme [1] ولكن مهارة البناءين وما حملته حرفتهم من إرث حضاري منحت قوةً ثباتاً لهذه الأسطح الواهية وجعلتها محطاً للإعجاب والتقدير، كما صورت أحلام العظمة المتمثلة في الاتجاه المسرحي المتباهي المدفوع دائماً بموقف المتحدي بما يبرزه من أساليب حرفية وتفاصيل فنية وزخرفية.

ستار يحجب ضعف الحجة، تناقض ما بين الواجهة التي تأمل في التواجد والحضور على الأرض بقوة والواقع الذي يتنصل منها بتاريخه وإرثه، ارتباك كاشف لسريرة الاستعمار، ذلك الوجود المدفوع بأطماع زائفة والمفتقر في حقيقته للتفسير الإنساني والأخلاقي.
هذا ما يفصح عنه المبنى ويردده على مسار الأيام  هذه هي الحقيقة وهو شاهد عليها يؤدي دوره في فضح الاعتداء.

إنه شاهد يفضح بل لا نبالغ إذا ما قلنا بأنه مناضل في شهادته لكشف القمع والاعتداء، طارح وإلى الأبد للمعادلة السرمدية لاستمرارية الحوار الإنساني والحضاري الذي يتجاوز الجبروت والقوة إلى آفاق التأثر والتأثير، وخير مثال على هذه الأعمال المعمارية لفلوريستانو دي فاوستو[2] في طرابلس الذي كان أسير سحر العمارة المحلية وأسيراً للفترة الفاشية التي عاشها.  





[1] الإصطفائية أو الانتقائية هي مذهب فلسفي يأخذ من الفلسفات أفضل ما فيها.
[2] مستشار بلدية طرابلس سنة 1932 ف. من مبانيه فندق الودان والمهاري"سابقاً" مبنى الضمان الاجتماعي حاليا. ترميم مسجد سيدي الشنشان"سابقاً" كنيسة القديس فرنسيسكو بالظهرة، كنيسة صبراته، المدرسة الإسلامية العليا بالظهرة فندق يفرن ونالوت وغدامس.

السبت، أبريل 22، 2017

جدلية الانتماء الحضاري


مسجد وزاوية عمورة بجنزور


جمال اللافي


نعود لمعضلة لا اتوقع لها حلا في المستقبل القريب، في غياب الإعلام التوعوي والحضور القوي للإعلام الهدام لكل مقومات المجتمع الأخلاقية والحضارية والثقافية.

لهذا نجد دائما هذا السؤال- الذي يحمل معه إجابته- يطرح مرار وتكرارا على لسان كافة أوساط المجتمع الليبي والذي مفاده: هل يوجد عمارة ليبية يمكننا تلمس ملامحها في عمارة البيوت والمساجد وغيرها من المباني العامة والخاصة؟ هو سؤال لا يبحث عن إجابة، بقدر ما يقر بالنفي لوجود أي ملمح للعمارة الليبية التقليدية. وينسب كل ما هو موجود إلى تأثيرات خارجية.

ولهذا لن أكرر ما نشرته سابقا بهذا الخصوص. وسأتجه إلى منحى آخر في الرد على هذا النفي المبطن:

·    في عمارة البحر المتوسط هناك انتشار واضح لنظام التسقيف بالقبو والقبة في البيوت، نراه في العمارة اليونانية والتونسية بصورة واضحة وجلية. ولو سألت تونسي أو يوناني من أخذ هذا النظام عن الآخر، فلن تجد إجابة من أي الطرفين، فكلاهما سيؤكد أنها عمارته الأصيلة ولم يتم نقلها عن أي مصدر آخر. ولا يهمهم هذا التشابه من عدمه. فهو مجرد صدفة محضة. ناهيك عن الطلاء باللون الأبيض للحوائط والأزرق للتفاصيل والمفردات المعمارية في كلا العمارتين.


·    في عمارة البحر المتوسط هناك انتشار واضح لأعمال القيشاني والجص في تلبيس الحوائط في البيوت لا نراه بكثرة إلاّ في العمارة المغربية والتونسية. ولو سألت تونسي أو مغربي من أخذ هذا عن الآخر، فلن تجد إجابة من أي الطرفين، فكلاهما سيؤكد أنها عمارته الأصيلة ولم يتم نقلها عن أي مصدر آخر. ولا يهمهم هذا التشابه من عدمه. فهو مجرد صدفة محضة.


·    في عمارة البحر المتوسط هناك انتشار واضح للأبراج الخشبية في واجهات البيوت لا نراه إلاّ في العمارة المالطية بصورة مكثفة وفي العمارة التونسية بصورة أقل وأقل القليل يتوزع على مدن أخرى. ولو سألت تونسي أو مالطي من أخذ هذا عن الآخر، فلن تجد إجابة من أي الطرفين، فكلاهما سيؤكد أنها عمارته الأصيلة ولم يتم نقلها عن أي مصدر آخر. ولا يهمهم هذا التشابه من عدمه. فهو مجرد صدفة محضة.


هذا قليل من كثير من ملامح العمارة المتفاوتة والمتباينة في الشكل والتفاصيل بين مدينة وأخرى تنتسب إلى هذا الفضاء المتوسطي.

وهذا الاعتزاز الذي نراه في الدول الأخرى بمعمارهم وحرصهم على توثيقه. وتجنب الخوض في جدلية لا تنتهي عن أصوله بالطريقة التي تنفي محليته وأصالته، يقابله رفض وإقصاء وإنكار داخل أوساط المجتمع الليبي. لهذا أقول لكل من جند نفسه لإنكار وجود ملامح تميز العمارة الليبية سواء في طرابلس أو غيرها من المدن الليبية الأخرى، ولا أجد لإنكاره مبررا منطقيا:

مثلما ترفض فكرة أن تنتسب العمارة التونسية لأي تأثيرات أخرى خارجية، فعليك أن تكون منصفا أيضا في تقييمك للعمارة الليبية. وأن تقر بأنه لكل عمارة ملامحها الخاصة، حتى وإن كانت واقعة تحت تأثيرات أخرى صقلها الزمن بالخبرات المحلية، التي أعادت صياغتها النهائية بحيث أصبحت ملامحها أكثر خصوصية وتفرد عن مصادرها الأصلية (إن وجدت).

العالم كله يعتز في كثير من الأحيان بما لا يملك، فاعتز أنت بما تملك، وحافظ عليه، واستلهم منه. فمن لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له.



المواضيع الأكثر مشاهدة

بحث هذه المدونة الإلكترونية